من يمعن النظر في واقع الاحتلال الإسرائيلي ويستعرض تاريخ هذا الاحتلال منذ زراعته في فلسطين وبعض الأراضي العربية يتبين له بسهولة أن ما يسمى «دولة إسرائيل» ما هي إلا معسكر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من جنود وقادة وتحصينات وأسلحة وتدريبات وخطط هجومية أو دفاعية، وكل من هم في داخل هذا المعسكر من الرجال والنساء مهما كان عملهم أو تخصصاتهم هم جنود يؤدي كل منهم دوره من زاوية اختصاصه المحدد له، فمنذ أن وطئ الاحتلال هذه الأرض لم يمر يوم واحد بل لحظة واحدة دون أن يمارس عدوانا على أهل الأرض المحتلة أو جيرانها الأقربين والأ?عدين أو دون أن يخوض حربا أو معركة أو يقوم بمناورة عسكرية أو ينشئ مصنعا عسكريا أو يطور سلاحا أو يهاجم قرية أو يحاصر بيتا أو يقوم بعملية اغتيال أو اعتقال أو اختطاف أو غير ذلك. وكل ذلك يثبت أن هؤلاء المحتلين ليس لهم عقيدة سوى الحرب والقتل والإغارة وإراقة الدماء في أي مكان تصل إليه أرجلهم وتمتد إليه أيديهم، حتى لو لم يجدوا مسوغا للحرب افتعلوه، وأيسر شيء عليهم هو افتعال المسوغات والذرائع لجرائمهم.
ويكفي دليلا على أن الحرب والقتل والقتال هي جوهر عقيدتهم وشريعتهم وغاية طموحهم الذي لا حدود له أن صناعاتهم ومشاريعهم كلها ذات طبيعة عسكرية وأنها كلها تشير إلى أنهم يستعدون لحروب مستقبلية طويلة المدى لا حدود لها كالذي نراه من القبة الحديدية والملاجئ التي تنتشر في كل مكان والملاجئ المحمولة والمتنقلة وطائرات التجسس والمراقبة وكاميرات التتبع والجدران العازلة والدروع الواقية والبالونات الحرارية التي تطلقها طائراتهم وأسلحتهم النووية وغير ذلك الكثير الكثير.
إن «إسرائيل» كيان مجبول على الحرب ويقتات على الحرب ويعيش بالحرب ومن أجل الحرب ولا يطيب لهم عيش من غير خوض الحروب وافتعالها، حتى وإن لم يجدوا أعداء يقاتلونهم صنعوا لهم أعداء.
وبين يدي هذه الحقائق فإن كل ما يدعونه من البحث عن الأمن هو ادعاء كاذب وأن الأمن الذي يبحثون عنه هو أن تطلق أيديهم في القتل وسفك الدماء وسرقة الأراضي، ولو تحقق لهم السلام الذي يدعون السعي إليه حتى لو باستسلام أعدائهم لهم فإنهم لن يكفوا عن الاستمرار في اختلاق ذرائع جديدة لشن الحروب وخوض المعارك وممارسة عشقهم لسفك الدماء حتى لو كان ذلك خارج حدود الأرض التي يحتلونها.
وقد يقع في وهم العرب أن هذا الكيان لو تحقق له الأمن لانتهت الحروب والنزاعات في المنطقة، وهذا في نظري وهم خطير وقاصر يدل على ضيق في الأفق وقصر في الرؤية، لأن هذا الكيان مستمر ومنهمك في تهيئة نفسه لحروب طويلة قادمة لا تقف عند حد وربما تمتد إلى بقاع جغرافية في عمق البلدان العربية. ولذلك ينبغي أن لا يركن العرب إلى مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بالرغبة في الأمن والسلام، ولا مفر لهم من النظر إلى سيرة هذا الاحتلال وتاريخه نظرة شمولية كي يقفوا على حقيقته وطبيعته وسلوكه وعقيدته وأهدافه القريبة والبعيدة والتعامل معه وفق?هذه الحقائق التي تقوم عليها شواهد لا تخفى على ذي بصيرة.